top of page

3 - حصيلة مراسلات كاتب مع كبار الأدباء

"رواية حياة في رسائل" سيرة ذاتية بطريقة فريدة

طريقة فريدة من نوعها اختارها الكاتب السوري المخضرم إبراهيم وطفي ليضع سيرته الذاتية في كتاب، اتجه بها إلى نشر مجموعة كبيرة من الرسائل المتبادلة بينه وبين رموز في الوسط الأدبي السوري، في كتاب خاص حمل عنوان "اعبد الحياة/ رواية حياة في رسائل".

يقع الكتاب في 280 صفحة من القطع الكبير، ويتوفر على فصول كثيرة يقع في كل منها التراسل الطويل بينه وبين الأدباء والكتاب السوريين على مدى خمسين عاماً، لكن جزءاً لا بأس به من هذا الكتاب يخصصه وطفي لتعريفات الصداقة والحب بين الأصدقاء، ويستشهد بعد كل فكرة يتناولها بمقولة لأديب عالمي أو شاعر بصم على جدار البشرية بما أنجز.

مما يأتي به الكاتب في موجزاته التعريفية، أنه حاول طوال حياته إقامة علاقات صداقة حقة، علاقات إنسانية بكل معنى الكلمة. وهنا يستشهد بقول لجان جاك روسو: "علاقات الصداقة يجب أن تكون علاقات صوفية بين شخصين"، وبمقولة لأبي حيان التوحيدي: "الصديقُ آخرٌ هو أنت".

يعتبر وطفي أن كل كتاب يؤلفه كاتبٌ هو بمثابة رسائل طويلة موجهة إلى الأصدقاء، وهنا يريد الإشارة إلى أن الرسائل التي ينشرها في هذا الكتاب، هي رسائل أرسلت في السابق إلى مشاريع أصدقاء أو تسلمها هو من مشاريع أصدقاء، وبأنه، في كتابه هذا، إنما يعيد إرسالها إلى أصدقاء محتملين، الذين هم القراء بالتأكيد.

في الكتاب قسم خاص لمراسلات إبراهيم وطفي مع الشاعر والأديب العالمي السوري أدونيس منذ أربعين عاماً وحتى الآن .. رسائل تم تبادلها أيام كان أدونيس يعمل رئيساً لتحرير مجلة أدبية في بيروت، ورسائل أخرى تم تبادلها بعد العصر الورقي، عبر شبكة الإنترنت بينهما.

ومما ينشر في بعض تلك الرسائل مع أدونيس، أن إبراهيم كان مشتركاً في أْعداد مجلة مواقف، وكان يرسل الاشتراكات بشكل سنوي أحياناً وشهري أحياناً أخرى، فكان أدونيس يرسل له رسائل شكرٍ لثقته بالمجلة، حيناً، ورسائل أخرى، يعتذر فيها أدونيس عن تأخر وصول المجلة إلى إبراهيم في أحياناً أخرى.

أما في عصر الإنترنت، فأخذت الرسائل منحى آخر، وبخاصة بعد أن أصبح إبراهيم وطفي المترجم الأول لأعمال الأديب العالمي كافكا وأصبح مقيماً في ألمانيا، بينما يقيم أدونيس في باريس، ومن هنا أصبحت المراسلات تتعلق بتبادل آراء بين الرجلين، فضلاً عن لقاءات شخصية جمعت بينهما في العاصمة الفرنسية حيناً وفي العاصمة الألمانية حيناً آخر.

في إحدى الرسائل يقر إبراهيم وطفي لأدونيس بعجزه عن فهم كل شعره، ويقول في تلك الرسالة: «صحيح أنني لا أفهم معظم شعرك، أفهم صورة هنا فكرة هنالك، لكني أحس منذ بدأت أقرأه بأنه شعر عظيم (هكذا كان حالي مع كافكا). أما دراساتك فتثبت أنك مفكر عربي كبير".

وفي الرسالة ذاتها يعترف إبراهيم لأدونيس بأن حياته اقتبست من حياة الأخير بعض المحطات: النشأة في القرية .. أربع سنوات من خدمة العلم في مدينة حلب .. الإقامة في دمشق دون الدراسة في جامعتها .. اللجوء إلى بيروت.

ولا تقل ردود أدونيس على وطفي اهتماماً وإثارة وتقديراً عن مشاعر إبراهيم نحو الأديب السوري الذي يمضي عامه الثامن والخمسين خارج سورية.

وغير أدونيس، تحضر في حياة إبراهيم وطفي مراسلات أخرى مع أديب كبير وعظيم آخر هو زكريا تامر، إضافة إلى اتصالات هاتفية جرت بينهما طوال عقود.

مما يتذكره إبراهيم وطفي ويدونه في كتابه هذا عن مراسلاته ومخابراته مع تامر، أن الأخير في العام 1985 أخبره بأنه ترك مجلة الدستور مستقيلاً برغم عدم وجود أكثر من 400 جنيه في جيبه، وأنه يكتب في الوقت الحالي (آنذاك) في صحيفة قطرية وفي جريدة القبس الكويتية، إضافة إلى استمراره في الكتابة لصحيفة لندنية.

سأل إبراهيم زكريا تامر: هل الكتابات تكفيك للمعيشة؟ يرد زكريا تامر: بصعوبة.

يؤكد وطفي أن زكريا تامر لم يتلون يوماً أو يتبدل بالمواقف والآراء، إن كان بالرسائل أو بالمخابرات الهاتفية أو بالمواجهات الشخصية، وحتى حاله وهندامه على ما هما: كنزة ممزقة حتى الكوع.

وفي ملف ثالث تحضر مراسلات إبراهيم وطفي مع الأديب المسرحي السوري رقم واحد في تاريخ البلاد والمسرح سعد الله ونوس المتوفى قبل أقل من عقدين، وونوس بالمناسبة هو قريب لوطفي عائلياً، وكانا قد خرجا من القرية معاً في سن المراهقة واستأجرا غرفة في مدينة طرطوس.

والملاحظ هنا هو خوض وطفي في تفاصيل أدبية وحياتية مع كتاب وأدباء مختلفي النظرة إلى السلطة. فبينما يقيم أمتن العلاقات مع أدونيس وزكريا تامر، المعارضين للسلطة في سوريا أقام العلاقة نفسها وبالدرجة والصلابة نفسيهما مع سعد الله ونوس الذي كان مقرباً من النظام الحاكم في البلاد منذ العام 1970.

مساحة واسعة في أفكار وطفي تذهب لإبداء آرائه في الكتابة والتأليف، ومما يحضر هنا تركيزه على كتابة السيرة الذاتية للإنسان.

 

علاء محمد (الخليج، 22/2/2013).

 

 

bottom of page